انتشار الجرائم الإلكترونية دفع المشرع المغربي إلى استحداث قوانين جديدة
أفرز انتشار مواقع التواصل الاجتماعي نوعا جديد من الجرائم، سيمت في أبجديات القانون بالجرائم المعلوماتية، أو الإلكترونية.
هي سلوكات غير مسؤولة تلحق أضرارا معنوية، و أحيانا مادية بأفراد و مؤسسات، مستغلة سهولة و سرعة تداول المنشورات داخل تلك الشبكات.
و تعد جرائم السب و القذف و التشهير من أكثر الجرائم الإلكترونية شيوعا. و رغم أن الكثيرين يمارسون تلك الأفعال المشينة بلامبالاة بأضرارها و جهل للعقوبات المترتبة عنها، و هذا ما يعزى للازمة التوعوية و الادراكية بالمقتضيات القانونية التي تعاني منها شريحة كبيرة داخل المجتمع المغربي. يعتبر المشرع المغربي تلك السلوكيات جرائم كاملة الأركان.
و لم يعرف المشرع الجريمة الإلكترونية بشكل خاص. إلا أنه باعتبارها ممارسة عمدية ضد فرد أو مجموعة، هدفها إلحاق ضرر مادي أو معنوي بضحاياها، فيمكن إدماجها ضمن الفصل 111 من القانون الجنائي الذي يعرف الجريمة بشكل عام، على أنها كل فعل أو امتناع مخالف للقانون و معاقب عليه بمقتضاه.
و تتزايد شدة العقوبة إذا كان الهدف من الجريمة الإضرار بمؤسسات الدولة. و جاء استحداث قوانين معاقبة لمرتكبي ذلك النوع من الجرائم، بعد التزايد الملحوظ لعدد الصفحات الحسابات على مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، التي تتخذ اسماء وهمية أو مستعارة وصفات كاذبة لتصفية الحسابات عن طريق القذف وتلفيق التهم في حق أشخاص معينين والمس بكرامتهم.
و ربما يجهل معظمهم أن تلك المنشورات المسيئة و حملات التشهير المسعورة العواقب القانونية المترتبة عن تلك السلوكات.
و لأن وسائل التواصل الاجتماعي، وأبرزها “فيسبوك”، تستوعب ملايين المستخدمين، و تتيح التعبير عن الآراء و الأفكار، مع ترك هامش حرية كبير، لا تسمح به وسائل الإعلام الأخرى التي تشتغل بناء على ظوابط و أخلاقيات، و توظف مهنيين يدرون جيدا ما لهم و ما عليهم. يتم استغلالها من طرف العديدين لانتهاك حرية الآخر تحت ذريعة حرية الرأي، جاهلين أن الآراء الشخصية و القناعات الذاتية لا يجب أن تتجاوز بأي حال من الأحوال المقتضيات الدستورية أو تمس بالنظام العام أو الآداب العامة أو القانون.
و رغم أن تلك المنشورات تنشر عبر شبكات التواصل الاجتماعي و منصات الفيديو التي تعد وسائل حديثة النشأة، مقارنة مع الجرائد و الإذاعات و القنوات التلفزيونية. فإن القانون المغربي يتعامل معهما كأنها نقلت عبر وسائل الإعلام التقليدية، و يتم بعد ضبط ناشريها تطبيق مقتضيات زجرية وردت في مدونة الصحافة والنشر و مجموعة القانون الجنائي على حد السواء.
فإن كان حق النقد هو حق مشروع، إلا ان النقد يجب أن كان هادفا بناء، فمثلا كشف ملفات الفساد لاتعني الاتهام المباشر دون تعزيز الموقف بالدلائل و الحجج و إلا وقع الفرد في جريمة التشهير بأركان متكاملة فالحكم مثلا على شخص من خلال موقعه الوظيفي بأنه سارق او مختلس اومرتشي لا يجوز دون التوفر على ما يؤكد الموقف المتبنى، و كمثال لايجوز إفشاء الأسرار الخاصة بالافراد من خلال صفحات التواصل الاجتماعي.
و عمل المشرع المغربي، في إطار مواكبة المستجدات، على استحداث قوانين، و تكييف أخرى.
فعلى سبيل الذكر، تنص المادة 286 من قانون المسطرة الجنائية المغربية على أنه يمكن إثبات الجرائم بأية وسيلة من وسائل الإثبات، وبذلك فقد يكون الفيسبوك إحدى هذه الوسائل، ويبقى للقاضي الجنائي أن يقرر ما إذا كان الفيسبوك شكلا مقبولا من الأدلة أو لا يمكن الاعتماد عليه.
و عرفت القوانين المغربية الزجرية تطورا في هذا الإطار من خلال بعض التعديلات التي طرأت على بعض النصوص، خاصة القانون رقم 88.13 المتعلق بالصحافة والنشر، والقانون رقم 73.15 القاضي بتغيير بعض أحكام مجموعة القانون الجنائي،
فبخصوص القانون المتعلق بالصحافة والنشر، نجده قد عاقب على القذف والسب الذي يتم نشره أو إذاعته أو نقله بأي وسيلة من الوسائل(الفيسبوك أو التويتر و غيرهما من شبكات التواصل الاجتماعي)، ولاسيما المنشورات أو الصور المعروضة على أنظار العموم والتي تكون عبارة عن أخبار زائفة أو وقائع غير صحيحة في مواجهة شخص معين، أو مؤسسة ما. و حتى خارج أرض المملكة، كان القضاء الفرنسي ممثلا في محكمة الجنح بريست، قد قضى سابقا بثلاث أشهر في حق شاب قام بإهانة الدرك الملكي على صفحة الفيسبوك، حيث اعتبرت المحكمة أن الإهانة على الفيسبوك بمثابة القذف العلني.
كما عمل القانون رقم 73.15 المغير لبعض أحكام القانون الجنائي على تبني مفهوم عام للعلنية، حيث اعتبر أن إهانة علم المملكة ورموزها، أو التحريض على ارتكاب الجنايات والجنح، تعتبر كذلك متى تمت بواسطة الملصقات المعروضة على أنظار العموم، أو بواسطة كل وسيلة تحقق شرط العلنية بما فيها الوسائل الإلكترونية، بل اعتبرت هذه الوسائل في الجريمة الأولى بمثابة ظرف تشديد.
و تتم معاقبة مرتكبي جريمتي السب و القذف عن طريق المنشورات الإلكترونية، بمقتضى قانون الصحافة و النشر 88.13 الصادر سنة 2016.
و يعاقب هذا القانون كل من ارتكب جريمة القذف، أي نشر بسوء نية خبرا زائفا أو ادعاء، و نسبه إلى أحد الأفراد، بغرامة تتراوح بين 10000 و 100000 درهم.
في حين يعاقب بموجب نفس القانون نفسه كل من ارتكب جريمة السب في حق أحد الأفراد، بغرامة من 10000 إلى 50000 درهم.
أما فيما يتعلق بالقذف الموجه لمؤسسات الدولة من هيئات قضائية و جيوش و محاكم و إدارات عمومية… أو للموظفين العموميين و الوزراء و كل شخص بمصلحة أو مهمة عمومية، فالعقوبة غرامة تتراوح بين 100000 و 200000 درهم.
و يعاقب من ارتكب السب في حق إحدى مؤسسات الدولة أو وزرائها أو موظفيها بغرامة تتراوح بين 5000 و 20000، و هي عقوبة أقل حدة من عقوبة سب الأفراد، و لعل المشرع قصد تحديدها في ذلك الحد، لكون المؤسسات و الوزراء و الموظفين عرضة للسب من المواطنين لكونهم مصادر لصناعة القرارات، و احتكاكهم، الذي يكون أحيانا مباشرا، بالمواطنين.
أما جريمة التشهير فهي أكثر حدة من حيث العقوبة، و يعاقب عليها بمقتضى القانون الجنائي.
و نصت التعديلات الأخيرة التي طرأت على الفصل 447 من القانون الجنائي في أبريل 2019 على معاقبة كل من قام بأي وسيلة، بما في ذلك الأنظمة المعلوماتية و الوسائل الإلكترونية، ببث أو توزيع تركيبة مكونة من أقوال شخص أو صورته، دون موافقته، أو قام ببث أو توزيع ادعاءات أو وقائع كاذبة، بغرض المس بحياة الأشخاص أو التشهير بهم بالحبس من سنة واحدة إلى ثلاث سنوات وغرامة من 2.000 إلى 20.000 درهم.
و تم تشريع هذا القانون ضمانا لحماية حق ضحايا “السوشل ميديا”، بعد الانتشار الكبير لجرائم التشهير التي تعبث بالحياة الخاصة للآخرين أو الإساءة إلى سمعة الغير، بغرض الشهرة أو تصفية الحسابات.
و شغلت مجموعة من المتابعات الجنائية والتأديبية الرأي العام المغربي بشكل بالغ(مصور قائد الدروة سابقا، مصور الزفت، تدوينات بعض القضاة، سكيزوفرين).
و يحيلنا الحديث عن الجرائم الشهيرة، إلى الابتزازات التي يتعرض لها المشاهير في المغرب، و التي تشكل، بين الفينة و الأخرى، مادة دسمة للإعلام المغربي و موضوعا يتناوله الناشطون على شبكات التواصل الاجتماعي.
و لعل أكثر قضية شغلت و مازالت تشغل الرأي العام، تلك التي اتهمت فيها كل من المغنية دنيا باطمة و شقيقتها ابتسام، و مصممة الأزياء عايشة عياش بتهم عديدة من أهمها بث وقائع كاذبة قصد المساس بالحياة الخاصة بالأشخاص بغرض التشهير بهم و المشاركة في ذلك.
و قد قضت محكمة الإستئناف بمراكش، في يناير الماضي، بإدانة باطمة بسنة سجنا نافذا، و غرامة مالية قدرها 10000 درهم.
كما قضت المحكمة ، بإدانة شقيقتها و مصممة الأزياء، على التوالي، بسنة سجنا نافذا، و10 أشهر سجنا نافذا. أحكام تؤشر إلى النهج الصارم للقضاء المغربي في محاربة هذا النوع من الجرائم.
و ارتباطا بموضوع السلوكات الضارة الشائعة في مواقع التواصل كالسب و القذف و التشهير. كان المجلس الحكومي قد صادق على مشروع قانون رقم 22.20 المتعلق باستعمال شبكات التواصل الاجتماعي و شبكات البث المفتوح والشبكات المماثلة. المشروع الذي أثارالكثير من الانتقادات، و ووجه برفض شعبي واسع فيما قبل، كما خلق أزمة داخل التحالف الحكومي.
و يتوقع، في ظل استمرار الجرائم الإلكترونية، أن يقوم المشرع المغربي بالمزيد من الاجتهادات للحد من تفشي الظاهرة، و تقنين ذلك المجال المفتوح للجميع، بشكل يسمح بالتسيب و الممارسات غير الأخلاقية من طرف البعض.