من المسؤول عن تشويه سمعة الجالية المغربية في كندا؟ وهل تحتاج صوتا ليترافع عنها ويتحدث باسمها؟ وإلى أي مدى تصل لهفة التفاهة بالشخص ليتعدى حدوده وحدود القانون ويسعى وراء حياة الآخرين؟ أ أصبحت الفضيحة تستولي على الجزء الأكبر من اهتماماتنا؟
كلها أسئلة وأخرى، سنجيب عنها في هذا الملف، نظرا لخروج الأمور عن السيطرة في الآونة الأخيرة، بهدف تخريب صورة المغاربة المقيمين بكندا، سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
فمع ظهور فيروس كورونا، وفرض الحجر الصحي في العالم، بغرض الحد من انتشار الوباء، برزت زوبعة رقمية ”تقنية البث المباشر“، كانت من قبل تستعمل لغاية مهنية، حتى صارت توظف من أجل إذاعة الرداءة والتفاهة، والأكثر من هذا أصبحت منبرا للتشهير والنبش في حياة الآخرين. وطبعا لم يكن استعمالها غير سليم من قبل الجميع، بل هناك من استعملها استعمالا مفيدا وهادفا وتثقيفيا. فدائما ما هناك استثناءات.
ومن المستحيل، أن تفتح حسابك على منصات مواقع التواصل الاجتماعي وخاصة (الفيسبوك والإنستغرام)، بدون أن تجد الكم الهائل من ”اللايف“ ينساب واحدا تلو الآخر، عند كل انتقال من تدوينة إلى ما بعدها، ومن حساب إلى آخر. وقد وصل الأمر إلى حد الاستهلاك المبالغ فيه، والتلذذ من أجل الحصول على أكبر عدد من المشاهدات و“اللايكات“.
وبالإضافة إلى ذلك، فثقافة التقليد ساهمت بشكل كبير في شيوع هذا النوع من السلوك، فهي ليست بثقافة حديثة الولادة، إلا أنها ارتفعت في السنوات الأخيرة، وخاصة في أوساط الشباب، وتخطت الحدود وأصبحت تشكل خطرا على العالم.
وفي المقابل، نجد أن كندا بدورها لم تسلم هي الأخرى من هذا الوضع، فمواطنوها اختاروا تقنية البث المباشر، كملاذ لتغيير الأجواء والتواصل مع المتتبعين، في ظل الالتزام بإجراءات الحجر الصحي في البلاد.
غير أن الأمر اتخذ منحى آخر، من خلال صفحة على ”الفيسبوك“، يديرها مواطن مغربي مقيم بمونتريال، تفضلنا بعدم ذكر اسمه احتراما لأخلاقيات المهنة وعدم التشهير به، يدعي بأنه صوت
الجالية المغربية، وهدفه طرح السجال بكل شفافية، ومصالحة الأطراف المتنازعة كالمتدخل المنقذ، الذي لم يأذن له أحد بذلك.
مجريات الواقعة
استغل الظرفية الحالية بمونتريال، وأعلن من خلال صفحته أنه توصل بملف حصري وساخن، سيصدم المغاربة. يفيد أن سيدة أعمال مغربية، صاحبة معهد خاص بمونتريال، استقبلت طلبة مغاربة للدراسة بالمعهد، حسب برنامج تكويني متفق عليه، كما أنها وعدتهم بالاشتغال لديها في حضانة تملكها أيضا، قبالة المعهد، لرعاية الأطفال، بمقابل مادي محتشم. مضيفا أن السيدة المعنية انتهكت القانون وشروط السلامة في كندا، بإسكانها الطالبات الثلاث في الطابق السفلي للمعهد.
صاحب الصفحة، قال إنه تحرى عن الموضوع، وحاول مرارا وتكرارا التواصل مع سيدة الأعمال على الهاتف، لكن لا مجيب، ماجعل الخبير المغربي في الشؤون القانونية والتوجيه، يدخل على الخط، ويتواصل معها ”وديا“ في إطار تأكيد الخبر أو نفيه، غير أنها ردت بقسوة ”قم بالتبليغ عني فأنا على دارية بشؤوني القانونية وإذا لم تقفل الخط سأعتبره تحرشا“، كما حكى الخبير في البث المباشر.
ومصدر هذا الخبر، نابع من إحدى الطالبات، تواصلت مع صاحب الصفحة، وقبلت بالمشاركة في اللايف، بالصوت، لتحكي ما جرى بالتفصيل.
وكانت الغاية الأسمى لمسير الصفحة الفيسبوكية، أن تصل القصة إلى جل المؤسسات الإعلامية، وأن تذاع بشكل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي، وتحديدا على الصفحات المهتمة بالجالية المغربية خارج وداخل كندا.
ربما كانت نية ”أدمين الصفحة“ حسنة، عند سماع الخبر لأول مرة، فمن الطبيعي أن يتفاعل المرء بحرقة وبغيرة، عندما يتعلق الأمر ببنات وأبناء وطنه.
لكن الخطير في هذه السلسلة، هو أنه أولا مواطن عادي، ثانيا مهنته بعيدة كل البعد على أن يتولى مهمة التحري والتقصي، واستجواب الأطراف، والتدخل في حياة الآخرين. والأكثر من هذا، أن الأمر استغرق أكثر من يومين، ولم يتم التبليغ واللجوء إلى القانون والأطراف المعنية، وفضل بث الخبر للعموم على مواقع التواصل الاجتماعي.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل تجاوزه إلى نقل المعلومة، مستعملا أسلوب السب والقذف والاتهام. وسأذكر بعضا من ذلك: ”إن مالكة المعهد الخاص تتاجر بالبشر“- ”كما أنها تمارس على الطلبة المغاربة جميع أشكال العبودية“، مضيفا ”أنها عصابة و ”مافيا“ “…
وهذا ما أوقعه في الفخ، وبذلك كان الحلقة الأضعف في القصة، فعوض أن يعمل خيرا، ويقدم الشكاية، فضل إثارة البلبلة، وجلد الناس بهتك أعراضهم، دون التحقق من صحة الخبر.
وليس هذا هو الملف الوحيد الذي أثاره على صفحته، بل اعتاد نشر الفضائح، تحت غطاء الدفاع والترافع عن المغاربة المقيمين بكندا.
لقد حان الوقت، لوضع حد لمثل هذه السلوكيات، المسيئة لصورة المغاربة داخل وخارج كندا، ولردع كل من تسمح له نفسه بتجاوز الخطوط الحمراء، واستغلال ضعف وحاجة الآخرين لنشر الإشاعات والفضائح، وخلق ”البوز“.
مجموعة أوريجين من موقعها، تسعى جاهدة إلى محاربة الإشاعة والتفاهة التي تنتشر كالنار في الهشيم، وأيضا محاربة كل من يلطخ كرامة وسمعة الجالية المغربية.
تتمة
القصة أكملت طريقها في اتجاه تهدئة الأوضاع، وهذه المرة اختارت صفحة أخرى من بوسطن بالولايات المتحدة الأمريكية. المسير للقاء المباشر، تحت طلب شخصي، جمع كل الأطراف المعنية، لتصحيح المغالطات وتقديم الاعتذار، وكذا تصفية الأجواء المشحونة بين الجميع.
فقد كانت خطوة جريئة وصائبة، نأخذ منها العبرة، إذ أنه في كل رواية، لابد أن نسمع إلى كل الأطراف لتحقيق قاعدة التوازن، والتأكد من إدعاءاتهم، والحكم في نهاية المطاف بيد القانون. الغلط يقع، ومنه يتعلم الإنسان، لكن عندما يتكرر، يصبح سلوكا متعمدا.
هناك من سينتقد، ويدافع عن بطل القصة ”صاحب الصفحة“، بحجة حرية التعبير والرأي، لن نختلف في هذه النقطة، فكل مواطن حقه وحريته مكفولان بموجب القانون. فكندا والمغرب وأمريكا شعارهم ضمان مجتمع حر وديمقراطي.
بيد أن، حرية التعبير والرأي عندما تسقط في يد الشخص الخطأ، سيسيئ استعمالها، وسيحولها إلى سلاح لنشر الرداءة.
نعرف جميعا، أن الإشاعة من أخطر الوسائل، وأسهلها انتشارا، وفي مقابلها تعتبر السمعة تقييما عاما لما يتمتع به الشخص من إيجابيات أو سلبيات. فكلاهما مرتبطان، فإذا انتشرت عنك إشاعة جيدة فسمعتك في أمان، وإذا شاعت سلبا فتضرب في مقتل.
لذلك، يجب علينا أن نتحد جميعا من أجل الحفاظ على سمعتنا ”notre réputation ”، في أوساط الجالية العربية التي يقرب عددها إلى المليون، وأن نثبت عكس ما يقال عنا.
فرضية جوهر المشكل
في شؤون الهجرة في كندا، في الباب المتعلق بالكفالة العائلية، يشار إلى أنك إذا كنت مواطنا كنديا أو مقيما دائما، وعمرك يفوق 18سنة، فبإمكانك أن تكفل أفراد عائلتك ليصبحوا مقيمين دائمين في كندا. وأيضا يمكنك ضمان قريب لك للقدوم إلى كندا كمقيم دائم، شريطة دعمه ماديا عندما يصل.
وهذا الباب بقدر ما هو إيجابي، بقدر ما انعكس سلبا على الجالية المغربية. كيف؟
هذه الفئة، ساهمت بطريقة غير مقصودة، في تفاقم البطالة والأمية، وضعف اللغة وغيرها من المشاكل.
ربما هذه الفرضية، أقلقت الجالية المغربية المقيمة بكندا، لأنها تعمم على الجميع. لذلك ينبغي أن نناهض من أجل إسقاط هذه الفرضية، وأن نحاول توعية وتحسيس هؤلاء بتغيير سلوكهم، ومحاولة إصلاح وتطوير ذواتهم، والكف عن مضيعة الوقت.
ومن ناحية أخرى، نجد الإعانات الكندية المقدمة لفائدة الأشخاص بدون عمل، هي أيضا شجعت على التهور والطيش، حبث يجد الشخص المستفيد من الإعانة نفسه أمام متسع من الوقت، مما يصعب عليه التحكم فيه واستغلاله لغاية مفيدة، بل يجعله ينساق خلف التفاهة.
وهذه المسألة، تعيدنا إلى الوراء، عند صاحب الصفحة، ففراغ الوقت تملكه وجعله يشوه سمعة الطالبات من جهة، ومن جهة أخرى تضررت سمعة المعهد ومالكته. فمن سيعيد ”لضحايا“ هذا ”المتهور“ سمعتهم في وسط مجتمع لا يرحم؟ لا أحد.
وهذه السلوكيات كانت قبل فيروس كورونا، لكن أثناءه انتشرت بشكل كبير مع أشكال وأسماء جديدة.
فاندفاع هذا الشخص وراء الفضائح والرداءة، ليس بأمر عادي، فالشخص السليم لا يمكنه أن يرتكب مثل هذا الفعل الشنيع، بل نحن أمام شخص مضطرب نفسيا.
فقبل أن يتجرأ أي أحد في التدخل في شؤون الآخرين، وجب عليه أن يتحمل عواقب التهور وعدم الإلمام بالجانب القانوني.
من المساهم ؟
الفرد عادة ما يكون محور المشكل، لكن هذه المرة لن نلومه وحده، بل سنوجه أصابع الاتهام إلى السياسة التي تعمل بها بعض منصات مواقع التواصل الاجتماعي. فهي تتحمل الجزء الأكبر من الضرر، نظرا لمساهمتها في التشجيع على العنف والفضائح وكذا توسيع رقعتها الرقمية. وفي كثير من الأحيان، نجد مشكل الفوضى هو الربح، ونخص بالذكر ”الفيسبوك“ فهو يشدك لساعات طويلة، بغرض خدمة مصالح زبائنه، الذين يدفعون مبالغ طائلة لفائدة الإعلانات. فخوارزميات الفيسبوك مبنية على مدك بالمحتوى حسب اهتمامك، لتلبية مصالحه.
فيمكننا التمرد على الفيسبوك بطريقة إيجابية، عبر منع أي تدوينة أو فيديو أو شخص أو صفحة معينة، لا تتناسب مع فكرك وتوجهاتك وأخلاقك. أوتوماتيكيا، ستبعث يإشارة للفيسبوك، وسيستوعب رفضك للمضمون المفروض عليك.
كلنا طرف في المشكل والحل، بمجرد أن نفكر جماعة ونتحد معا، سنتحكم في زمام الوضع.
وفي نفس السياق، كان قد جزم الرئيس التنفيذي لشركة آبل تيم كوك، في وقت سابق، بعد الخلاف الذي نشب بينه وبين الفيسبوك، أن هذا الأخير يتعامل مع مستخدميه كسلعة لكسب المال من الإعلانات ويعبث بالبيانات الشخصية لمستخدميه.
وردت فيسبوك على ذلك، متهمة آبل، بأنها تستخدم موقعها المهيمن في السوق، لمنح نفسها الأفضلية في جمع البيانات الخاصة بها، ومنعها على منافسيها.
الحرب بين الشركتين العملاقتين لن تنته، والعبرة من كل ما سبق، أنه ليس كل ما يقدم لنا، يجب علينا تصديقه، ونشره، لأنه يوما ما يمكن أن يكون السبب في تدمير سمعتنا.