3.3 C
Montréal
mercredi, novembre 20, 2024

تاريخ جديد

شهد العالم على مر التاريخ العديد من الأمراض والأوبئة الفتاكة كانت بعضها أوبئة محصورة بدول أو نطاق جغرافي معين وكان بعضها أوبئة عالمية أو ما يطلق عليه “جائحة” Pandemic. وحصدت تلك الأوبئة أرواح عشرات بل مئات الملايين وتسببت في تغيرات ديموغرافية واجتماعية واقتصادية في العالم بأسره، بل ومنها جوائح غيرت مجرى التاريخ.
أوبئة كثيرة لم تقل تهديدا عن فيروس كورونا. ورغم خطورتها صحيا وتفشيها بشكل سريع، على غرار وباء الإيبولا في أفريقيا مثلا، فإن الحكومات والمنظمات الدولية، وفي مقدمتها المنظمة العالمية للصحة، تمكنت من التغلب على هذه الأوبئة بفضل تعبئة واسعة النطاق.في انتظار معرفة مصير هذا الوباء أو إيجاد مضادات علاجية تقضي عليه،
وقد اختلفت طرق الناس في التعامل مع تلك الأوبئة والتصدي لها باختلاف الحقبة الزمنية والإمكانيات المتاحة. كما تباينت الآثار التي خلفتها هذه الأوبئة على المجتمعات التي اجتاحتها.
كان أشهر هذه الأوبئة وأشدها فتكاً في العصور القديمة والوسطى الطاعون الأسود (الموت الأسود) وطاعون جستنيان وطاعون عمواس بمنطقة الشام. وفي العصر الحديث نجد الكوليرا والجدري والإنفلونزا الإسبانية وغيرها من الأوبئة.
آثار  تفشي فيروس كورونا ذعرا كبيرا في العالم بسبب اتساع رقعته الجغرافية وظهور كل يوم تقريبا إصابات جديدة في العديد من الدول، لا سيما العربية منها،

حيث أجبرت هذه الجائحة معظم دول العالم الانغلاق على نفسها، ومن ذلك تطبيق الحجر المنزلي وحظر الانتقال وإيقاف مظاهر وأنشطة نشأنا عليها، مما خلق أزمات حقيقية في مختلف جوانب الحياة حولنا.
كما تسبّب في تغيير لمسار البلدان السياسي والإقتصادي وبَرزَت النّقائص التي كانت تنخُر القطاع الصحي والإجتماعي للبلدان، وعلى الرغم من صُمود بعض الدول أمام تفشي الوباء السريع إلا أنها تعاني اليوم من نُقص حاد في الإمكانيات المالية واللوجستية لاستكمال حربها الضَّروس ضِدَّ مُخلفاته على القطاع الإقتصادي والإجتماعي. وبدا التأثير الاقتصادي الفوري للجائحة واضحا مما ساهم في وضع خطة طوارئ عالمية وتفعيل الإجراءات الاحترازية والتضامنية التي من شأنها حماية الاقتصادات من الأضرار المحتملة.

بينما بعض الخبراء يرون أن أزمة بهذا الحجم يمكن أن تعيد ترتيب المجتمعات بطرق درامية للأفضل أو للأسوأ حسب ما سينبني مستقبلاً على أساليب التعامل مع المخاطر والمتغيرات التي سوف تخلقها هذه الأزمة.
لكن هذا الوباء الذي ظهر للمرة الأولى في مدينة ووهان الصينية في ديسمبرالماضي اقترب عدد وفاياته  من المليون .
وربما تقل نسبة الإصابة والتعافي في الدول التي تراعي الاحتياطات الصحية، والتباعد الاحترازي، مع التدرج في النزول لسوق العمل بشكل مدروس، وتقييم الأداء من حين لآخر، أما الدول التي تشهد حالة من الفوضى الصحية في مواجهة الفيروس، فربما تشهد انهيارات، وتفككا اجتماعيا لا تحمد عقباه.

حيث للأزمة تأثيرات متباينة في مجالات متعددة منها المجال الاقتصادي؛ حدث انكماش غير مسبوق لدي كل الدول على مستوى العالم، تفاوتت نسبتها حسب جاهزية كل دولة وقوة اقتصادها، كما زادت نسبة البطالة بشكل كبير، وخصوصًا في الدول ذات الاقتصاد الهش، غير المتنوع.

واجتماعيا بحسب ما ورد في تقارير منظمة اليونسكو، فإن غياب المساواة يؤدي لتضرر فئات بعينها أكثر من الأخرى مثل العاطلين، وعمال اليومية، والنساء، واللاجئين، وذوي الاحتياجات الخاصة، وكبار السن، والمرضى، بالإضافة لمن يعيشون تحت الاحتلال، أو في مناطق الحروب، أو في دول تشهد انهيارًا اقتصاديًا، أو قلاقل سياسية.

لهذه الأسباب يُتوقع أن يكون تأثير فيروس كورونا أكثر حدة وخطورة في “الجنوب العالمي” حيث تعاني المجتمعات من أعلى مستويات اللامساواة وعدم الاستقرار.
إضافة إلى تلك الأوبئة توجد أمراض أخرى تحصد أرواح الملايين سنوياً مثل السرطان وأمراض القلب والسكري. وعلى الرغم من أنها تفتك بملايين البشر فلا يُتعامل معها على أنها أوبئة تشكل خطراً على العالم لأنها لا تنتقل بالعدوى من شخص إلى آخر. علاوة على إصابة ملايين الأطفال ومقتل مئات الآلاف منهم سنوياً بسبب أمراض ناتجة عن سوء التغذية والفقر، الغالبية العظمى منها في قارة إفريقيا، إلا أن ذلك لا يلقى اهتماماً دولياً ولا يسلط عليه الضوء من قبل الإعلام بالقدر الذي يحدث عندما ينتشر أحد الأوبئة، على الرغم من أن عدد ضحايا بعض هذه الأوبئة ضئيل جداً بالمقارنة بضحايا الجوع والفقر والحروب.
واللافت للنظر في إحصائية قامت بها منظمة الصحة العالمية في  (مايو) 2020 تشير إلى أن عدد سكان العالم 7 مليار و783 مليونًا، ومواليد هذا العام 48 مليونًا، ووفيات كورونا اقتربت للمليون  والوفيات العادية 20 مليونًا و165 ألفًا، ووفيات بسبب تلوث المياه 300 ألف، ووفيات بسبب الكحوليات 2 مليون، والوفيات بسبب مرض السرطان 2 مليون و816 ألفًا، ووفيات بسبب التدخين 2 مليون، ووفيات حوادث السيارات 500 ألف، ووفيات بسبب الانتحار 400 ألف، والوفيات بسبب مرض الإيدز 600 ألف، ووفيات الأطفال أقل من 5 سنوات 2 مليون و606 ألف، والوفيات بسبب الانفلونزا 650 ألفًا، ووفيات الأمراض المعدية 4 مليون ونص.
لقد أجبرت الجائحة المجتمعات العربية على العودة إلى قبول أهمية الخبرة والعلم، كما زادت ثقة المجتمع بالعلم والعلماء فكل المجتمعات رءوا تأثيرات فيروس التاجي على الفور وعرفوا أهمية البحث العلمي الحقيقي.
مع كل جائحة تَضرب العالم يُكتَب تاريخ جَديد للبشريّة وتَرتَسم خارطة مُختلفة للتّوازنات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للبُلدان. وما يعيشه العالم اليوم إثر تفشي فيروس كورونا (Coronavirus (COVID-19 هو صُورة مُمَاثلة لتداعيات أكثر الجائحات والأوبئة التي ضَربت البشريّة عبر حقبات تاريخية مختلفة.

Article précédentNew history
Article suivantRabat Sérénité et Rayonnement
- Advertisment -

Most Popular

Recent Comments

error: Content is protected !!