شكل اعتراف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بسيادة المغرب أقاليمه الصحراوية وعزم بلاده فتح قنصلية لها بمدينة الداخلة، يوم 11 من شهر دجنبر الجاري، (شكل) بداية لنهاية مشكل دام لأزيد من 45 سنة، وبما أن الإعلان تزامن مع إعلان ترامب عن استئناف العلاقات الديبلوماسية بين المغرب وإسرائيل، وهو ما دفع العديد من المختصين لتقديم قراءتهم لهذه الاحداث في ضل التطورات والعلاقات الدولية الراهنة، حيث انقسمت الآراء بين من رأى أن ما حققه المغرب في ملف الوحدة الترابية إنجاز تاريخي وغير مسبوق وشكل هؤلاء الغالبية الكبرى من الدكاترة وأساتذة العلاقات الدولية والمحللين السياسيين.
في حين أن أتباع النظام الجزائري وأعداء الوحدة الترابية للمملكة، حاولوا بشتى الطرق ربط الاعتراف الأمريكي بما أسموه “تطبيع العلاقات” وأنها صفقة أبرمها المغرب على حساب القضية الفلسطينية وأن إعلان ترامب ليس له أي قيمة قانونية لأن ولايته شارفت على الانتهاء، ويضيف أصحاب هذا الطرح أن الإدارة الأمريكية المقبلة برئاسة جو بايدن لن تلتزم بقرارات الإدارة السابقة، بدعوى أن المرسوم الرئاسي الذي أصدره ترامب لم تتم المصادقة علية من طرف الكونغريس الأمريكي.
هذا الطرح الأخير جعل العديد من النشطاء الفايسبوك يخرجون بمقاطع فيديو تدعو المغاربة للحذر مما تم تحقيقه وأن الديبلوماسية المغربية لا تملك الكفاءة والخبرة للتعامل مع مثل هذه الملفات وهو ما عمدت على نشره سيدة مغربية مقيمة بكندا على صفحتها على الفايسبوك ومن خلال ما جاء في الفيديو فإن السيدة عرفت نفسها أن لها تكوينا في مجال التسيير وأنها خرجت لكي تشرح للمغاربة ما أسمته بالفضيحة الديبلوماسية المغربية وكالت العديد من الاتهامات لوزير الخارجية المغربي واصفة بأن ما قام به هو غباء واستغباء للشعب المغربي .
وحسب المختصين في العلوم السياسية فإن ما جاء على لسان السيدة عار من الصحة وهو مجرد تحليل سطحي بسيط لا علاقة له بالواقع، ويعزز هذا الطرح تصريح السيد سمير التقي الباحث في معهد الشرق الأوسط أدلى به لقناة فرانس 24، حيث أكد أن التطورات التي عرفها ملف الصحراء المغربة يأتي في إطارة التوجه الجديد للمنتظم الدولي والدي يهدف الى تصفية النزاعات التي ترتبت عن فترات الاستعمار ، وذلك لتحقيق الاستقرار في المنطقة وأضاف السيد سمير بأن الإدارة الأمريكية تعتمد مبدأ الاستمرارية وتعزيز ما تم تحقيقه في العديد من الملفات.
أما فيما يخص القرار الرئاسي الموقع من طرف الرئيس ترامب، فهو يستند الى مقتضيات الدستور الأمريكي التي تمنح للرئيس الحق في توقيع مثل هذه الوثائق، هذا التحليل يتماشى أيضا مع ما جاء على لسان الناشطة السياسية مايسة سلامة الناجي التي تطرقت الى العديد من نقاط الإعلان الأمريكي والإنجاز الكبير الذي حققته الديبلوماسية المغربية في هذا الملف، وهو ما يتناقض تماما مع تحليل المهاجرة المغربية المقيمة بكندا التي ربطت الاتفاق بما أسمته التطبيع كما نشرت شعارا مرفقا بعنوان الفيديو الذي تتجاوز مدته 30 دقيقة “أنا مغربي لا أطبع ولا أبيع بلدي” وهو شيء بعيد كل البعد عما ما جاء في بلاغ الديوان الملكي الذي نص على أن ما تم تحقيقه ليس على حساب القضية الفلسطينية التي لا تقبل المساومة كما أكد على دعم المغرب لحل الدولتين.
وفي نفس السياق أكد السيد ناصر وزير الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج ، أن الإعلان الأمريكي ليس وليد اللحظة بل هو ثمرة أزيد من سنتين من التشاور والتنسيق بين المغرب وأمريكا، كما أن مسألة استئناف العلاقات الديبلوماسية مع إسرائيل لا يمكن تسميتها “تطبيع وذلك نظرا للخصوصية المغربية ، إذ أن الجالية اليهودية المغربية المقيمة بإسرائيل تعتبر ثاني أكبر جالية بعد اليهود الروس، كما أكد على هؤلاء هم مغاربة أيضا ولهم حقوق يضمنها الدستور، لذلك لا يمكن القول بأن وجود رحلات جوية مباشرة بين البلدين أنه تطبيع ، بل هو حل معاناة ألاف المغاربة اليهود الذين يأتون إلى المغرب لزيارة وطنهم، والذين يصل عددهم حسب الإحصائيات الى مليون يهودي من أصل مغربي حيث أن واحد من كل خمسة إسرائيلي هو من أصل مغربي.
أما في ما يخص دوائر القرار فالحكومة الحالية تضم عشرة وزراء من أصل مغربي، وخرج بعضهم يتحدث بالدارجة المغربية للتعبير عن سعادته بهذا الحدث، وحسب السيد ناصر بوريطة فإن الخصوصية المغربية في هذا الملف لا ينبغي ربطها بما يسميه البعض “التطبيع” لأن الدستور المغربي هو الوحيد الذي يضم العبرية كواحدة من روافد الأمة المغربية، لذلك يضيف نفس المصدر بأن استئناف العلاقات المغربية الإسرائيلية لا يمكن مقارنتها بما تم بين مؤخرا بين الدول العربية وإسرائيل، وأشار نفس المصدر بأن جلالة الملك ربط الاتصال بالإخوة الفلسطينيين لكي لا يكون هناك أي لبس.
أما فيما يتعلق بما قيل بأن المرسوم الرئاسي فهو رمزي فقد تأكد اليوم بأنه قرار سيادي أمريكي وذلك من خلال المراسلة التي قدمتها سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة والتي تنص على الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، وهو ما رآه محللون سياسيون مغاربة خير رد على من شكك في قيمة هذا المرسوم ويؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن القرارات الملكية السامية والديبلوماسية المغربية كانت صائبة وحققت نصرا عظيما في هذا الملف، كما أن العديد من المحليين السياسيين المغاربة حذروا من نشر المغالطات والتحليلات المضللة خاصة وأن الموضوع له حساسية بالغة لأنه يتعلق بالوحدة الترابية للملكة.
كما أكد العديد من الفاعلين السياسيين على ضرورة الإلمام بالموضوع والتوفر على كافة المعطيات سواء التاريخية أو تلك التي تتعلق بالتغيرات التي يعيشها المنتظم الدولي، ويرى البعض بأن ما أقدمت عليه المواطنة المغربية المقيمة بكندا التي تقول أن لها شهادة في إدارة الأعمال و التي وصفت الديبلوماسيين المغاربة بالأغبياء و السذج تطاول خطير على المؤسسات المغربية وفيه تبخيس لما حققه المغرب في ملف وحدته الوطنية ، كما أن التحليل السياسي يناقش القضايا والأشخاص بناء على معطيات عديدة، وهو ما لم تستطع هذه الأخيرة الالتزام به وذلك لأنها لا تملك أي تكوين في المجال السياسي أو العلاقات الدولية أو القانون الدولي.
وفي سياق متصل المحلل السياسي منار السليمي بأن العلاقات الدولية والديبلوماسية تنبني على مصالح مشتركة وأهداف استراتيجية بين مختلف الدول، وليس العواطف حيث أكد على ضرورة الانتباه الى التغيرات التي يعيشها العالم والقطع مع التحليلات المبنية على العواطف، وفي سياق متصل ذكر محللون أن الضمانات التي يملكها المغرب حول هذا القرار الرئاسي فهي عديدة خاصة وأن ما هناك العديد منها كما أن هناك لولبيات ليس من مصلحتها زعزعة الاستقرار الذي ينعم به المغرب والمنطقة بشكل عام ، والكل هنا يدرك القوة التي يملكها اللوبي الإسرائيلي الذي يقول البعض انه قادر على التحكم في القرارات الأمريكية.
لذا يرى عديدون إن الخروج في بث مباشر لإعطاء الدروس للدبلوماسية المغربية، هو إساءة للوطن وقضاياه، خاصة حينما يتعلق الأمر بأشخاص لا يملكون أي تكوين في المجال السياسي أو العلاقات الدولية التي تقتضي مراكمة سنوات من الخبرة لضبط زمام الأمور، كما أن لغة الخطاب التي يعتمدها البعض تعطي صورة سلبية عن المغاربة، وتفتح الباب أمام أعداء الوطن للترويج لمعلومات مغلوطة بالأساس والقول بأنها جاءت على لسان مغاربة، وهو ما يجب تفاديه للحفاض على صورة وسمعة الوطن.