14.6 C
Montréal
samedi, septembre 7, 2024
Accueil قضايا المهاجرين‎ التشهير: ظاهرة "مطاردة الساحرات" في العصر الحديث

التشهير: ظاهرة “مطاردة الساحرات” في العصر الحديث

إن ظاهرة "مطاردة الساحرات" هي ظاهرة اجتماعية وقانونية كانت برزت خلال حقبة مثيرة للاهتمام من التاريخ الأوروبي في العصور الوسطى. خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر ، عاشت دول معينة في أوروبا مثل ألمانيا ،إنجلترا ،الدنمارك وفرنسا على إيقاع سلسلة من الدعاوى القضائية التي رفعتها الكنيسة على المواطنين متهمة إياهم بممارسة السحر.

إن ظاهرة “مطاردة الساحرات” هي ظاهرة اجتماعية وقانونية كانت برزت  خلال  حقبة مثيرة للاهتمام من التاريخ الأوروبي في
العصور الوسطى
خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر ، عاشت دول معينة في أوروبا مثل ألمانيا ،إنجلترا ،الدنمارك وفرنسا على إيقاع سلسلة من الدعاوى القضائية التي رفعتها الكنيسة على المواطنين متهمة إياهم بممارسة السحر.

بدأ محققو الكنيسة هذه الحملة من الاضطهاد في وقت ساد فيه الخوف و دفع الناس فيه إلى الوشاية ببعضهم،  مما أدى إلى إعدام أكثر من 60 ألف ضحية . واستندت أساسًا الإدانة إلى الإشاعات و اعترافات المتهمين تحت التعذيب الوحشي
في ظل غياب أي دليل مباشر على الوقائع المزعومة.

ولكي نكون منصفين ، فمن الواجب القول أنه قبل فترة طويلة من هذه الحملة المسيرة من طرف الكنيسة ، غالبًا ما حدث أن الناس في هذه البلدان قاموا ببساطة بالانتقام الجماعي ،على شكل إعدام  خارج نطاق القانون لشخص تهموه بانه سبب مآسيهم . كان يكفي في بعض الأحيان أن يمرض شخص ما ، أو أن تحترق حظيرة أو أن تنفق بقرة بدون سبب واضح ، لكي يعين  أهالي القرية الجاني الذي جعل منه سلوكه أو تهميشه موضع شك ، بعد ذلك يقوم الحشد بقتله  ضربا بالعصا ، غرقا أو شنقا.

بدأ إعدام كبش الفداء على أيدي الكنيسة المسيحية  في البداية  بتصفية معارضي البابا يوحنا الثاني والعشرون ، الذين حاولوا تسميمه وسحره ، ثم امتد إلى الأشخاص من الشعب و على رأس اللائحة : الأشخاص المهمشون ،  الأجانب ، اليهود ،النساء المسنات ،الأشخاص الذين يعيشون على هامش المجتمع ، وأي شخص بدا مشبوهًا بالمظهر أو السلوك.
توافد المخبرون و الشهود للتعرف على الجاني وشهدوا على أنهم عاينوإلقاء الجاني للعنات. كانت الأسباب التي دفعتهم إلى الشهادة زورا متنوعة : الخوف ،  مرض الكذب ،  الجشع ، أو الرغبة في إشباع  كراهتهم الشخصية.
كان يتم دفع أجور المخبرين والمحققين تماشيا مع عدد المتهمين ، وكانت النتيجة أن عدد المتهمين وصل إلى حد مثير للسخرية : في إحدى المحاكمات ، تم إتهام 12000 شخص بتهمة مشاركتهم في حفل لإقامة طقوس سحر، و في محاكمة أخرى اتهم طفلان يبلغان من العمر 10 و 12 عامًا والدتهما بالسحر لأنهما كانا فقط يترجيان الطعام .

تغيرت الأحوال منذ ذلك الحين في أوروبا والدول الغربية و منع تهجم الحشد على الأفراد ، ومع ذلك فقد استمرت هاته الظاهرة الخارجة عن نطاق القانون بأشكال مختلفة أخرى وتحولت مشاهد الإعدام في المحرقة التي استخدمت في ما قبل إلى مشاهد إعدام معنوية وغير مادية، يتم فيها القضاء على ضحايا محاكم الحشد الشعبية.

نتجت العديد من هاته الوقائع عبرالتاريخ الحديث كنتيجة عن انتشار الشائعات ، مما تسبب في التضررالحقيقي للعديد من الضحايا، في بعض الحالات ترتب عنها قتل الضحية على يد الآخرين، أوإنتحارالأفراد الهشّين نفسيا أو الفشل الاجتماعي والمهني.

ضحايا نادرًا ما يتذكر المؤرخون قصصهم أو حتى أسمائهم أو تُعرف قصتهم على نطاق واسع. فقط عائلاتهم وأصدقائهم يعرفون ما حدث و يتحملون ندوبه لأجيال.

لقد تم استخدام التلفاز والشبكات الاجتماعية لتشويه صورة أشخاص معينين، ومما يثير الدهشة أن نفس الغرائز التي دفعت القرويين ذات مرة إلى قتل “الساحرة” هي نفس الغرائزالتي بدأت في التحرك مرة أخرى ، وهذه المرة بواسطة  التعليقات المعيبة والجارحة وعبرنشرو تبادل معلومات كاذبة وعبر تشجيع الهجوم بضغط زر”الإعجابات” ،كل هاذا بهدف تدمير الضحية أخلاقياً ، مالياً ، اجتماعياً وأحياناً جسدياً من خلال مهاجمته أو مهاجمته عائلته أو ممتلكاته.

في المجتمعات الحديثة ، تمت صياغة وتنفيذ قوانين تمنع عقاب المتهم من طرف الحشد : أي متهم بريء حتى تثبت إدانته ، والإدانة تصدرعقبا لمحاكمته من طرف محكمة قانونية تضمن له حق الدفاع عن نفسه وحيادية الحكم ، وهو ما لا يتوفرفي ظل المتابعة الشعبية ، والتي غالبًا ما تخدم ، تحت ستار النوايا الحسنة ، مخططات الأفراد الأشرار الذين يستغلون الحشد لخدمة غاياتهم.

المتابعة الشعبية عشوائية ومفرطة لأنها رهينة  بآثار التحيزات وتمليها الآراء الشخصية لأفراد الحشد : يفسر الأفراد الحقائق والبيانات المقدمة من قبل المحرضين، التي لم يتم التحقق منها أبدا، على أنها هجمات موجهة ضدهم شخصيا ويكتفون بذلك لإصدار حكم  الإدانة على المتهم و الانتقال مباشرة إلى العقوبة.

 كما أنه تحت ستار فعل الخير والدفاع عن المجتمع ، قد تكون الدوافع الخفية وراء المشاركة النشطة في المتابعة الشعبية قاتمة : في عدة حالات ، أثبتت التحقيقات فيما بعد أن سبب التحريض على الهجوم و الإنسياق معه كان ورائه نزاعات كامنة حول ملكية الأرض،  أومنافسات غرامية أو مادية ، أوالترهيب والخوف من التحوإلى كونه مستهدفًا بذاته ،أسباب دفعت المواطنين العاديين والمحترمين إلى الوقوف إلى جانب المعتدي ووضع أيديهم على الضحية بدلاً منه .

الإشاعة أداة وراء الإعدام بدون محاكمة

كتب “مهدي مساعد” ، الباحث في علم سلوك الحشود ، تحليلاً مفيدًا للغاية حول آلية انتشار المعلومات الخاطئة.

يستشهد في هذا التحليل بدراسة أجراها  “سنان آرال” مع فريقه في عام 2018 ، “سنان آرال” الاقتصادي والخبير في التسويق الفيروسي في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وخلص بعد ذلك إلى أن المعلومات الخاطئة تنتشر بمعدل 6 مرات أسرع من المعلومات الحقيقية ويتم تداولها لفترات أطول من زمن.

يوضح الباحث “مهدي مساعد” أنه في عصر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي فنحن  ندخل عصر الأخبار الكاذبة بجدارة، حيث تنتشر الأخبار الكاذبة حرفيًا بسرعة الضوء.

في الواقع ، في غضون ساعات قليلة ، يتم خداع أعداد كبيرة من السكان من خلال إعلان صاخب ، من المفترض أنه آت من مصدر موثوق ، يكون مدعوما بأدلة زائفة لا يمكن في الأغلب التحقق من صحته ويتم الإعلان عنها بعبارات مثيرة للقلق وجذابة.

يطلق الباحثون على تعاقب انتقال الشائعات اسم “شلال”.

يمكن أن يكون للشلال هيكل أفقي ، أي أن نشر المعلومة يتم بواسطة عدد كبير من الأشخاص المرتبطين مباشرة  بمطلق المعلومة ، و لكن القليل من النشر يتم عن طريق اتصالات و علاقات هؤلاء الأشخاص.

 على خلاف ذلك ، يمكن أن يكون للشلال هيكل عمودي ، حيث يتم تداول المعلومات عن طريق الإرسال المتتالي ، أي من خلال أشخاص بدون ارتباط مباشر مع مرسل المعلومة ، ثم مرة أخرى من خلال اتصالات وعلاقات هؤلاء الأشخاص.

وفقًا لدراسة “سنان آرال” ، تحتوي سلسلة الأخبارالمزيفة على هياكل عمودية أكثرمن الأفقية.

لكن هل يمكننا كمتفرجين يتلقون الإشاعة أن نربط صحة المعلومات بهيكل الشلال؟

قام “سوروش فوسوغي”  الأستاذ المساعد في كلية دارموث والباحث المساعد بجامعة هارفارد في عام 2017 ، بتطوير ونشرالخوارزمية للكشف عن المعلومات الخاطئة .

قيم هذا الأستاذ بنسبة نجاح 75٪ صحة ​​المعلومات من خلال مراقبة الطريقة التي يتم بها نشرها على الشبكة.

بناءً على هذه النتيجة ، يمكن للمرء ، مع وجود فرصة جيدة للنجاح ، أن يخمن ما إذا كانت المعلومات التي يتم نشرها خاطئة على الأرجح أكثر من كونها صحيحة ، فقط من خلال مراقبة كيفية نشرها.

ولكن من أين تأتي المعلومات الخاطئة ؟ من المستفيد ؟ غالبًا ما يتم إطلاقها من قبل شخص خبيث يسعى إلى الثروة أوالشهرة أو بقصد إيذاء شخص أو منظمة ما.

غالبًا ما تستند هذه المعلومات الخاطئة إلى التشويه التدريجي المتعمد أو غير المتعمد للمعلومات التي كانت صحيحة تمامًا في البداية.

للتأكد من هذا يمكنكم إختبارالتجربة مع أصدقائك أو أطفالك ، أخبروهم بقصة يجب أن ينقلوها شفهياً، في نهاية سلسلة الاتصالات، غالبًا ما تكون القصة التي يتم سردها مختلفة عن القصة الأصلية.

بين ما تريد قوله ، وما تقوله بالفعل ، وما تعتقد أنك قلته ، وما يسمعه الآخرون ، وما يعتقدون أنهم سمعوه ، وما يرغبون في سماعه ، هناك العديد من المفارقات الدقيقة والاختلافات، والتي في نهاية  سلسلة الاتصالات، ذات الروابط المتعددة ، تتراكم وتعطي نتيجة متحيزة ومشوهة.

تم إجراء تجربة في عام 2015 من قبل الباحث “مهدي مساعد” و”هنري برايتون” و”ولفجانج جيسماير” ، وهما زميلان في معهد “ماكس بلاوك” للتنمية البشرية في برلين.

في هذه التجربة، تم استخدام موضوع مثير للجدل للتحقق من صحة المعلومات المنقولة في نهاية سلسلة من الاتصالات الشفوية :

تم عرض 6 مستندات إثبات على المشارك الأول ، وكان على هذا  المشارك بعد ذلك توصيل هذه المعلومات إلى المشارك التالي ، الذي لم يكن لديه إمكانية الوصول إلى المستندات الأولية ، وما إلى ذلك حتى آخروعاشر شخص  في السلسلة ، تم تكرارهذه التجربة 15 مرة.

الدرس الأول الذي آستنتج من هذه الدراسة هو أن المعلومات يتم تشويهها  بسرعة قصوى (بعد المشاركين 3 الأولين فقط) كما أن 52٪ من المعلومات التي تم إرسالها بواسطة المشارك الأول قد اختفت بالفعل وأن العناصر المتبقية كانت مشوهة بشدة.

كان تشويه المعلومة مرتبطا بتحيزات المشاركين حول الموضوع ، وقد زاد هذا التشويه عندما  يكون للمشاركين في السلسلة نفس التحيزات.

تدريجيا ، اختفت المعلومات المتناقضة مع الأحكام المسبقة للمشاركين ، في حين تم تضخيم المعلومات التي تتماشا مع آرائهم.

ماذا تفعل عند سماع أوتلقي إشاعة؟

يجب على كل مواطن صالح أن يطلع على القوانين المعمول بها في بلد إقامته، حقوقه وواجباته إزاء مسألة التشهير. وهذا يعني، على سبيل المثال ، معرفة أن في كندا، مهاجمة شخص ما بشكل مباشرأو من خلال وسيط  أمر غير قانوني ، وأن  اتحاد الأفراد بهدف الإيذاء تتم متابعته بصرامة أكثرلأن التأثير الناتج يكون أكبر وأكثر خطورة بالنسبة للضحية.

لذلك، من الضروري أن تنأى بنفسك عن أي مجموعة أو فرد يطلق إشائعات تهدف إلى التشهير بشخص ما ، وعدم مشاركة محتوى الإشاعات أو التشجيع على التشهير من خلال التواجد في جمهورالبث المباشرأو ما يسما “باللايف”  المثير للجدل ، حتى لا تتورط من خلال إبداء تعليقات بغيضة أو متحيزة ضد الضحية. لأن القانون واضح وأي شخص يسلك هذا الطريق يمكن أن يخضع أيضًا للمتابعة القضائية تمامًا مثل محرض التشهير.

من الأخلاقيات الحسنة  دعم الضحية علنًا ، وإدانة  العدوان المرتكب ورفضه كمجتمع متحد من أجل السلام و الخير، لأن التفرقة تفيد المعتدي وتخدم مصالحه، وغدًا يمكن لأي شخص أن يجد نفسه في نفس الموقف ، معزولًا وعاجزًا أمام حملة تشهير جائرة. لا تلم الضحية أبدًا ، لأنه على الرغم من كل ما يقدمه المهاجم كحجة ودليل لتبريرشرعية هجومه ، فلا يحق له استبدال الشرطة ،المدعي العام ،المحامي ،القاضي ،السجان ،المعذب والكاهن جميعا بنفسه.

وإذا شعر المرء بالخوف أو تعرض للترهيب من المعتدي ، فإن دعم الضحية في الخفاء يمكن أن يكون المنقذ بالنسبة لها ، لأنه على ميزان الخير مقابل الشر ، كل أوقية دعم يكون لها وزن ثقيل.

ولكن ماذا لو كنت نفسك ضحية للتشهير:

 في هذه الحالة ، لا يجب أبدًا الرد مباشرة على الهجمات لأن أي رد سلبي يمكن أن يؤثر في ميزان الحكم ضد التشهير. علاوة على ذلك ، فإن المعتدي يستخدم جميع الوسائل لإثارة رد فعل عدائي أو جياش من طرف الضحية لاستخدامه ضدها، و تمامًا مثل “الساحرة” في العصور الوسطى فإذا اعترفت تحت التعذيب فهي مذنبة، وإذا قاومت التعذيب ودافعت عن نفسها فهي أيضا مذنبة.

أفضل نهج يمكن تتبعه هو اللجوء إلى الشرطة والمحكمة ، لأنهما الوحيدان المخولان لتطبيق القانون وتحقيق العدالة لمن يعانون من الأذى من هؤلاء المعتدين.

يجب أن تظل الضحية قوية في مواجهة موجة الهجمات ، وأن تفهم أسباب الظاهرة التي تتعرض إليها وتفصلها عن نفسها. يجب عليها الانفتاح على الاخرين، مشاركتهم احاسيسها والسعي للحصول على السند من طرف عائلتها وأصدقائها، مواصلة التواصل بشكل إيجابي مع كل من يتسائل عما يحدث، الانشغال بفعل الأشياء التي تحبها ، الابتعاد عن الأشخاص السلبيين، وعزل نفسه عن كل الإعتدائات التي تسبب لها ضغوطًا نفسية، في إنتظارالوقت اللازم الذي تتخده العدالة لتتبع مجراها.

إن الكفاح من أجل الحقيقة هوبمثابة مكافحة متواصلة لإخماد نارتنتشرفي الهشيم، والأفعال الإيجابية وحدها هي القادرة على التصدي للأفعال السلبية للمشهرين .

و كما هو الحال في أي حرب ، فإن المنتصر هو من يقاوم أكثر.

- Advertisment -

Most Popular

Recent Comments

error: Content is protected !!